كلمة معالي الأستاذ الدكتور / سلامة داود وكيل الكلية
مَعًا نَرْتَقِي
شِعَارُ كلية اللغة العربية بإيتاي البارود، الرُّوْحُ التي سَرَتْ في أوصالها، فنَهَضَتْ، وقَامَتْ، وشَمَّرَتْ عن سَاعدِ الجِدِّ، ونَبَذَتِ الفُرْقَةَ والاختلاف، واجتمعت بالمحبة والائتلاف، والاتحادُ مع المحبة يصنع العجائب، فكانت الكلية يدا واحدة، في عمل جماعي واحد، وغاية واحدة، حلم واحد، حتى حَصَلَتْ على شهادة الجودة والاعتماد من الهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد ، وصار ذلك اليوم واقعا ، بعدما كان حُلْما :
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
أيها السادة الكرام ، هذه الكلمات خَفْقَةُ قلب ، وصُورةُ نَفْسٍ :
خَفَقَ القلبُ بالنشيدِ المُطَهَّرْ فدَعِ الشعرَ والأغاني ….. وكَبِّرْ !
وإذا شئتَ نَغْمةً فدَعِ الرُّو حَ – جلالاً – من شُرْفَةِ الغيبِ تَنْظُرْ
هذه كلمات عاجزة حَيْرَى ، لا تدري من أي فج عميق جاءتها المعاني ، وكل ما تدريه أنها من وحي القلب ، فإذا سَمِعْتَها فأنتَ تَسْمَعُ وَحْيَ قَلْبِي ، فلا تقف عند قُصُورِ بياني ، وقد استعرت هذا المعنى من قول متنبي العصر وشاعر مِصْر أبي سُلْوَان ، محمود حسن إسماعيل :
ما لتغريدي إن غنيتُك الشعرَّ يدانِ
لا … ولا أدري من أين سرت مني المعاني
فَتَسَمَّعْ وحْيَ قلبي اليومَ لا تَسْمَعْ بياني
هذه الكلية هي العُشُّ الذي فيه دَرَجْنا ، والنَّبْعُ الذي منه نَهِلْنَا ، أَبْلَيْنا فيها شَرْخَ الشباب ، حتى أدركنا فيها المشيب :
هُو الصَّبُّ ياعَذْرَاءُ شَابَتْ هُمُومُهُ ولم يَحْظَ مِن دُنْيَاهُ يَومًا بِرَاحِمِ
قال المُرْجِفُونَ في المدينة : ” لن تُدْرِكُوها إلا إذا شَابَ الغُراب” ، فجعلوا الحصول عليها بابا من المُحال ، فها قد أَدْرَكُوها وما شَابَ الغُرابُ!!
قَيَّضَ الله لها من صفوة أبنائها مَنْ :
إِذَا هَمَّ أَلْقَى بْيَنَ عْيَنْيـهِ عَزْمَهُ وَنَكْبَ عَنْ ذِكْـرِ العَواقِبِ جانِبَا
وَلَمْ يَسْتَشِرْ في رَأْيِهِ غَيْرَ نَفْسِهِ وَلَمْ يَرْضَ إِلاَّ قائِمَ السَّيْفِ صاحِبَا
قام منهم في نَأْنَأَةِ الطريق ( أى في أَوَّلِهِ ) ثُلَّةٌ مُبَارَكَةٌ ، وصَفْوَةٌ مُخْتَارَةٌ ، تركوا بحوثهم وشواغلهم، ودرسوا الجودة وجعلوها شاغلهم ، حتى نَبَغُوا فيها ، وصاروا فيها شيوخا وأساتذة تنتدبهم الكليات لتدريس الجودة ، فلما جَدَّ الجِدُّ ، وعَزمَ الأمر ، قال قائلهم لإدارة الكلية : ” ايتوني من هيئة التدريس والهيئة المعاونة في الكلية بعشرة رجال مخلصين فقط أَضْمَنْ لكم الجودة ” ، فقام أبناؤها حواليه ، وتكأكأوا عليه ، فكانوا كظباء خِرَاشٍ التي تكاثرت عليه فما يَدْرِي ما يَصِيْدُ ، وصار خِرَاشٌ هو وظباؤه مثلا شرودا وشاهدا من شواهد العربية ، يحفظه أهلُها وطلابُها ، يُنْشَدُ في كثرةِ الخصبِ ، وتكاتفِ الأحبابِ :
تكاثرتِ الظباءُ على خِراشٍ فما يَدْرِي خِراشٌ ما يَصِيدُ
نعم ، كانت هذه الثُّلَّةُ المباركةُ من الأساتيذ هي قلبَ الجيش الذي انضمت إليه مَيْمَنَتُهُ ومَيْسَرَتُهُ ومقدِّمتُه ومؤخرتُه ، على نحو ما وصف أبو الطيب:
يَهُزُّ الجَيشُ حَولَكَ جانِبَيهِ كَما نَفَضَت جَناحَيها العُقابُ
ومر الهلالُ بعد الهلال ، والكلية تَبْنِي نَفْسَها بنَفْسِها ، بجُهْدِ رجالها وأبنائها ، وبما أنفقوا من أموالهم ، حتى صار يومُها خيرا من أمسها ، وصار غَدُها خيرا من يومها ، كلُّ يومٍ تَبْنِي جديدا ، وهي موقنة أن الفخر بما تبني هي ، وترى من العار أن تعيش على ما بنى رَعِيْلُها الأَوَّلُ وشيوخُها الأقدمون ، فلكل عصر رجال ، كما قال البارودي ، الذي تعيش هذه الكلية في بلده التي نُسِبَ إليها :
لِكُلِّ عَصْرٍ رِجَالٌ يُذْكَرُونَ بِهِ وَالْفَضْلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ الْفَضْلُ بِالْقِدَمِ
نعم ، أخَذَتِ الأَهِلَّةُ تَنْمُو وتَنْمُو حتى صارت بُدُورًا كاملة ، كما قال حبيب :
إنّ الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّهُ أَيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملاَ
لم يمنعهم عن مواصلة الكفاح حَرٌّ ولا قَرٌّ ، فواصلوا العمل ليل نهار ، مع قلة الإمكانيات التي صارت بحبهم وتعاونهم كثيرة ، وقلة ذات اليد التي صارت بسخاء نفوسِهم وسَعَةِ صدورهم وفيرة :
وفي السوق حاجاتٌ، وفي النقدِ قِلَّةٌ ولا يُصلح الحاجاتِ إلاَ الدَّراهمُ
أرواحٌ طامحة ، وأبدانٌ كادحة ، حتى قاربوا السَّداد ، فانبلج الفجرُ الصادق ، وجاءت لجان الجودة بدعمها الفني ورجالها زيارةً في إثر زيارة ، يرقبون الكلية ونَجْمُها يَسْطَع ، وفَجْرُها يَطْلُع ، وضياؤها يَشِع ، ولواؤها يَرْتَفِع ، حتى آن الأوان ، ولم يبق إلا زيارة ” أُمِّ اللجان ” ، التى طالما خوفونا منها كما يُخَوَّفُ الصِّبيانُ مِن مَسِّ الجَان ، فلما جاءت شَدَّ الله تعالى الأَزْر ، وكان جل وعلا هو السَّنَدَ والرُّكْنَ الشديد ، فمرت مر الكرام ، ورأت من جوانب الإتقان ما أثلج الصدر ، وأراح عازب الهم ، فمحا إحسانُها ما كان ، فلله الحمد والمَنّ .
هذه كلمات تائهة من بحر شعوري ، فلاتلمني
إن تشأْ فاسمعْ نشيدي أو تشأْ فارحـلْ ودَعْنِي
وإذا أشجـاكَ هَمْسٌ من صداهُ …لا تَلُمْنِي !
ما أنـا إلا كـَظِلٍّ لشعوري فاعفُ عني !
تحيةً لحامل اللواء عميدِ الكليةِ شيخِنا الأستاذ الدكتور أحمد سعد ناجي الذي حَمَلَ الأمانةَ ، وقاد الركب ، ولَقِيَ ما لَقِيَ ، وجَاهَدَ ما جَاهَد ، فأَجْرَى الله تعالى الخيرَ والسَّعْدَ علي يَدَيه ، وتحيةً للثُّلَّةِ المباركة ، التي جعلت الجودة هَمَّ الليل والنهار ، ودرست وتعلمت وعلمت ، تحية للقلب الذي ضَمَّ الجيش إليه ، وآوى وكابد وترك الزوج والأولاد ، حتى كَلَّ الظَّهْرُ وكلت الأيدي وخارت القُوَى فشَدُّوا الرِّبَاط ، تحية لإخواني الدكاتره : محمد أمين أبو شهبة ، محمد شاكر صهوان ، محمد ياسين علوان ، عمر عبد الوهاب ، محمد الجوهري ، محمد محمد بظاظو ، رضا فايد ، تامر حجازي ، خالد مدني، محمد النادي، جمال ناصف، وجيه زيادة ، جمال حماد ، حمادة جبل ، جمعة ندا ،عبد الفتاح رسلان، محمد عبد الجواد، محمد النجار، عبد الباري بصل، أحمد برانية ، محمد مغازي الحبشي، أحمد محرم ، عصام هلال، رمضان الجلجموني، محمد المراكبي ، قطب شكر، محمد أبوطه، محمد العريان .. وغيرهم من إخواني الكرام حتى لا أنسى ؛ الأسماء كثيرة ؛ لأن العطاء كثير ، والحب كبير .. تحية لكل يد عملت وكدت وجاهدت من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والإداريين والعمال .. تحية للطلاب الذين وقفوا مع صرحهم وأساتذتهم ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أ.د/ سلامة جمعة داود
وكيل الكلية